Friday, June 11, 2004

من مذكرات زوجة الموت

أحياناً أشعر أن الموت هو العريس المنتظر الذي تنتظره كل فتاه، أشعر أنه مفاجأة أجمل من أن توصف بالكلمات، هدية تجعل متلقيها يموت من الفرحة
ترى من يحبني ويحضر لي الموت في عيد ميلادي... أظن إنه لو كان لدي الموت في علبة، أستطيع فتحها وقت أشاء... ساجهز كل شييء له لكني سأتعب في إختيار الموسيقى المناسبة لإستقباله، أريد إستقباله بلحن رائع، ترى ما شكله؟ هل هو وحش يشبه ذئب عملاق أم هو ذلك الشبح على هيئة هيكل عظمي يحصد الأرواح بمنجله... لا أظن، أظنه رائحة أشمها فتتجمد كل العضلات، أو قد يكون كائنات دقيقة تنتشر وتأكل كل الخلايا حتي العظم وفي دقائق اصبح......... مفيش

لكنه لم يكن كذلك، إنه يأتي على حماره الأسود (إنه يكره السيارات وقد أخذوا حصانه الأبيض أثناء التأميم في الستينات)، وعندما أخذني أصبحت زوجته، وكنت أربي أولاده على السلوك القويم وأطبخ له حتى يعود من العمل يحمل هدايا زبائنه، إنها حقاً مهنة لذيذة دخلها يقوم على مدى حب الزبائن لك فقط... وبعد أن صنعوا الحياة في المعامل ووزعوعا مع مساحيق الغسيل ومع إشتراكات القنوات الفضائية أصبح زوجي بلا عمل لأنه لم يعد يجد روح في زبائنه، ولم يعودوا يعطوه هدايا، فذهب يبحث عن وظيفة، وكتب سيرته الذاتية... الإسم...الموت، الضوء، الثورة وأسماء أخرى... الدراسة...درست كيف أنظر للناس... الإمكانيات ...أستطيع أن أبتسم ...المهنة السابقة...موزع الحرية
المدير: كيف كنت توزع الحرية؟
الموت: مثلاً إسماعيل طالب في كلية طب، والطب طريقه، لكنه يحب الرسم، ومع الوقت بدأ لا يرى سوى شارع القصر العيني وكليته ونسى الرسم وكل الدنيا، لكنه حين رأني عرف إنني الطريق الذي يدمر بقية الطرق، فأنا ألغي الطب والرسم معاً، فما قيمة الطب وهو ميت؟ فعاد يرسم من جديد وعاد يرى العالم
المدير: إسماعيل مين، أنا مش فاهم حاجة
الموت: ألم تقرأ هايدجر؟
المدير: هه... مين ده؟
الموت: فيلسوف وجودي
المدير: ملحد؟؟!!
الموت: نعم مثلك يا سيدي
المدير: أنا كافر يا إبن ال............ الرقابة حذفت الباقي
ولم يكن الحال أفضل في الشركات الأخرى بفضل البطالة في عصر عاطف عبيد، فإنتحر الموت، وزاد البشر، خاصة إنهم صاروا يتكاثرون بلا ضوابط (بعد إنتشار الفيديو كليب)، وأصبحوا ستة مليارات... تخيلوا لو كل واحد منهم نطق كلمة، لكنهم كانوا يتحدثون تسعة مليارات لغة في زحام يشابه اليهود في محرقة هتلر

لكنني لم أصمت، ولم أستسلم ولم أفقد اللغة ولا العين، وناديت وصرخت فيهم في كل موقف، وفي كل مكان، ظللت أنادي " أيوة الفل يا فل... الياسمين يابيه ربنا يخليلك السنيورة اللي معاك... أيوة مناديل إنشاء الله " وذلك لكي أجد قوتاً للأولاد

وخرجوا أولاد الموت أشداء قادمين على حمير سوداء ليحققوا نصرٍ وفتحٍ قريب... إسمعوهم، هم جايين، ورحمة البنيأدمين، بس مين يشوفهم ومين يسمع ومين يفهم هم مين